روائع مختارة | واحة الأسرة | أولاد وبنات (طفولة وشباب) | عـــودة الروح

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة


  عـــودة الروح
     عدد مرات المشاهدة: 2174        عدد مرات الإرسال: 0

كان مولدي حدثا مفرحًا لأسرتي، وكان الحديث عن هذه اللحظات السعيدة كثيرا ما يتردد على مسمعي، فبعد ثلاث إخوة ذكور رزق الله والداي بي، وكنت أمنية حققها الله لهما وسعدت الأسرة، ومما زاد في سعادتها أن تلك اللحظات كانت تحمل مفاجأة أخرى فقد كنت توأم لأخ رابع وكان والدي دائما ما يردد عنى أنى لم اكتف بما لدى من أخوة فاصطحبت آخر معي، وهكذا أصبحنا خمسة أبناء.. الوالدين سعيدين بالأولاد، والإبنة هي الفاكهة التي زينت هذه العطاء الجزيل.

ومع شخصية أب عسكرية قوية وأربعة من أولاده يعتبرهم جنوده في الحياة كان يخصني بالجانب المرح من حياته، وترعرعت في هذا الجو.. عيني على إخوتي أمارس ألعابهم وأنشطتهم وأحاول أن أجاريهم في إهتماماتهم.

وكنت أنظر إلى أمي نظرة كلها حب وإعجاب فقد كانت تؤدى ما عليها من مسؤوليات بكل همة ونشاط، وتتفانى في سعادة هذا المعسكر وتسعد به، وكانت تخصني بإهتمام زائد، وكثيرا ما كانت تحاول أن تجذبني إلى إهتماماتها..

وكانت تختلف كثيرا مع والدي حول تلك النقطة فهي ترى أنه لابد من التفرقة بين نشأة الذكور ونشأة الإناث وأن لي دور على أن أتعلمه وأمارسه، وتردد في أذني كثيرا أن هناك أشياء تناسبني وأخرى ليس من الصواب أن تصبح من عاداتي أو حتى أفكاري.

ومرت مرحلة الطفولة والصبا وهى تحيطني بإهتمام فائق ومتابعة دقيقة لكل ما يحيط بي، وكنت أسعد بإهتمامها ورعايتها، حتى إستيقظت ذات صباح على تأوهاتها وهى التي لا أكاد أذكر أنها إشتكت يوما، وإذا بأبي يصر على الذهاب بها إلى المستشفى حيث صرح لنا الأطباء أنه قد ألم بها مرض شديد، وأن حالتها خطرة.

وتدهورت حالتها سريعا ونحن جميعا في ذهول، وإذا بالشمس التي تضيء حياتنا قد غربت، وكانت الصدمة قاسية علينا جميعا وأحاط بي الحزن من كل جانب، وحاول والدي جاهدا أن يعينني على الخروج من أحزاني وأحاطني وإخوتي جميعا بالحنان والعطاء، وإقترب أخي التوأم منى يساندني بقوة، وقد شعرت أن نبرة حزنه هي نبرة حزني، ولكنه كان أقوى منى إيمانا وقد جعله الله عونا لي على الصبر وفتح الله لي على يديه باب التقرب إليه، وأخذ الحزن يتلاشى تدريجيا ويتحول إلى الإطمئنان والرضا بالله وتحولت عبارات الأسى إلى أدعية ورجاء إلى الله بالرحمة لأمي وطلب الغفران لها..

ومرت الأيام ببطء وأنا أجمع شتات قلبي وتماثلت إلى الخروج من ضائقة الأحزان وقد ازددت يقينا أن من يفارقونا بأجسامهم لا يُنتزعون من قلوبنا ووجداننا..

وحين تقدم أحد المعارف لخطبتي وأحسست بحنانه وإهتمامه ووافق عليه الجميع وزكّاه توأمي، فتحت ذراعي لتقبل نفحات العطاء من الله، وتم الزواج وإنتقلت إلى بيتي الجديد مع شريك حياتي الجديدة.

وبدأت أتذوق طعم السعادة وكل ما كانت تقوله أمي لي يملأ فكرى ووجداني، وحين أحسست بالجنين بداخلي، وبنبض حياة تنبت في رحمي غمرني شعور بالأمل، وطرب قلبي حين وضعت طفلتي المولودة بين ذراعي ونظرت إليها وأنا أرى بعيني رأسي نظرة أمي الحنونة وإبتسامتها وهى تدعو لي بالستر والسعادة..

وهمست لنفسي: لقد عادت روحي إلي.. وتمتم لساني بالدعاء لأمي، وأنا أعاهد نفسي أن أكون لإبنتي كما كانت تريد أمي أن أكون لها.

وإنتبهت على ضحكات أبى وإخوتى ولسان حالهم يقول وهم يحملون حبيبتي مستبشرين: عادت لنا الشمس المضيئة.

الكاتب: تهاني الشروني.

المصدر: موقع رسالة المرأة.